وليد الباز..القرأن والمنافقين

 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
وبعد
عندما تتناول كتاب الله بيديك وتشرع في القراءة وتبدأ من حيث يبدأ المصحف الشريف حيث فاتحة الكتاب ثم سورة البقرة وهكذا حاول أن تتأمل في ترتيب هذه السور وترابطها فقد وقفت بحمد الله على كتاب بديع للإمام السيوطي اسمه أسرار ترتيب القرآن به من أسرار الترتيب ما يحرك القلوب للتسبيح
والقرآن في كل شأنه مرتب وبديع ولا يوجد به تقديم ولا تأخير إلا لحكمة قد يتفطن لها البعض وقد يغفل عنها الآخرون ، وترتيب السور وإن كان هناك رأيا يعتبره كان أمرا اجتهاديا من عثمان رضي الله عنه على الأقل في بعض المواضع مثل سورة التوبة بعد الأنفال وإن كنت أعتقد أن هذا الترابط البديع الذي تجلى بعد قراءة الكتاب يجعله أمرا مستحيلا أن يكون مجرد اجتهادا
لكن ترتيب الآيات لم يكن فيه أي اجتهاد بل كان وحيا واضحا لا لبس فيه
دار ذهني حول هذا المعنى وأنا أحاول التأمل في بدايات سورة البقرة ولماذا أعطت كل هذا الإهتمام للحديث عن المنافقين في بدايتها وهي بداية المصحف ومؤكد أن من يريد أن يبدأ في قراءة القرآن من اوله سيبدأ منها وسيلحظ هذه البداية القوية عن المنافقين
تحدث الله عن الكافرين في آيتين سريعتين ورغبة في إنهاء النقاش حولهم سريعا
" إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم ... "
وكأنهم لوضوح أمرهم وعداوتهم الظاهرة أمر منتهي لا يحتاج إلى كثير كلام خاصة وأن هناك صنف جديد أكثر خطورة أراد الله أن يكشف أمرهم وينزع سترهم ففضحهم في قرآنه وأبرز أمرهم في أول كتابه حتى لا يخفى أمرهم ولا تنجح حيلهم فيصيروا عرايا مفضوحين أمام المؤمنين
إن الحديث عن المنافقين بهذه القوة في بداية الكتاب العزيز يجعلنا نتوقف أكثر مع هذا الصنف الذي أفرد له القرآن مساحات كبيرة وتناول أساليبه وأباطيله من زوايا متعددة
إنهم من بني جلدتنا يظهرون الإسلام كأي مسلم حتى أنهم ربما أقاموا الشعائر كما كانوا يفعلون على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الغالب فيهم في أيامنا بل والمؤكد أنهم لا يقيمون أي شعيرة إسلامية
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
فهم لحمقهم يتخيلون أن محاولاتهم الفاشلة للخداع فالحة
يخادعون يحاولون مجرد محاولة لكن تحقق الخداع كان على أنفسهم وما يخدعون إلا أنفسهم
ولا يشعرون أنهم كلما اجتهدوا في فسادهم وتحركوا في شرهم كلما ظهرت عوراتهم
في قلوبهم مرض
وهذا هو المحرك الأساسي لهم ، فربما تظل تفكر وتشغل فكرك في أحوالهم وتتسائل
لماذا يفعلون ما يفعلون ، ألا يعقلون ، ألا يخشون
لكنه داء الظلمة الذي يصيب القلوب فيحجب عنها النور فيظل القلب في ظلمات بعضها فوق بعض
والظلام لا يدخل مكانا إلا بعد أن يغلق صاحبه كل منافذ النور إلى هذا المكان فهم أرادوا الظلمة والله أزادهم
يصيح صوت الحق في وجوههم من مكان خفي
كفاكم إفسادا يا معشر الأفاكين ستغرقون السفينة وتفرون كالجرذان
فيرفعون رايات مهلهلة كتب عليها بالوحل والطين نحن المصلحون
ألا إنهم هم المفسدون
ولكن خمرة الشيطان أسكرتهم فلا يشعرون
يناديهم أفيقوا يا قوم من سكرتكم المجنونة ولا ترقصوا رقصة الموت على حافة الهاوية واتبعوا سبيل المؤمنين
فتعلوا ضحكاتهم الماجنة الساخرة ويضربون أكفهم مع كؤوسهم ويرمون أهل الحق بالسفه والتخلف
أنؤمن كما آمن السفهاء
هذا حالهم عندما يلتقون في أنديتهم مع شياطينهم يتندرون ويتضاحكون من سخريتهم واستهزائهم وخداعهم للمؤمنين
وما خدعوا إلا أنفسهم والله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم.
المصدر:مدونة الطريق